90 % من المرضى يطاردون الشفاء في الخارج

ما إن تهم بالسفر إلى أحد بلدان العالم، إلّا ويستوقفك منظر العراقيين الذين تعج بهم المطارات مغادرين وعائدين، يشعر المرء للوهلة الأولى أنّ ذلك يعبّر عن حالة الحرية في التوجّه إلى تلك البلدان للراحة الاستجمام، بيد أنّ هذا الظن سرعان ما يتبدد بعد المعرفة أنّ أكثر من 90 في المئة من المسافرين مرضى لا يجدون علاجاً شافياً في العراق، ما يضطرهم البحث عن مستشفيات بلدان العالم، وعن أطباء ربما يكونون «عراقيين»، يمنحونهم الأمل في الحياة وعلاج أمراضهم التي تعجز عنها المراكز الطبية والمستشفيات المنتشرة في مختلف أنحاء البلاد.
ويشكو معظم المرضى حسب الوكالة الوطنية العراقية، من عدم الاهتمام بالمريض وعدم دقة التشخيصات، سواء بالمستشفيات الحكومية أو الخاصة، فيما يرى البعض أنّ المستشفيات الأهلية وجدت لإفراغ جيوب المرضى من المال من دون تقديم العلاج المطلوب.
ولعل السؤال الذي تطرحه مثل هذه القضية متشعب وبحاجة إلى إجابات عدة، أولها: هل تخلو المستشفيات الحكومية والأهلية من الأجهزة التخصصية؟، إذ يأتي الجواب من تصريحات المسؤولين في وزارة الصحة ومديري المؤسسات الصحية في المحافظات، بأنّ أجهزة متنوعة دخلت تلك المؤسسات، ما يجعلها قادرة على تأمين كل الخدمات الطبية بكفاءة عالية.
ولا تتوافق هذه التصريحات مع الواقع المعاش فعلا في تلك المؤسسات، إذ إنّ الخدمات الصحية التي تقدّم للمواطنين لا تؤشر نسب التطور، وغير مقنعة للمرضى برأي الكثيرين، ما يجعلهم يقفون طوابير على أبواب السفارات للحصول على سمات الدخول، على الرغم من تكلفة السفر الباهظة وارتفاع أسعار الفحوصات والعمليات الجراحية والعلاجات.
ويؤكد عدد من المرضى المغادرين أنّ كثرة المراجعات في مستشفيات العراق، وعدم حصولهم على نتائج صحيحة، جعلاهم يقررون السفر لبلدان أخرى أملاً في الحصول على العلاج.
تعذّر علاج
ويقول المواطن العراقي رياض محمد علي من بغداد،: «منذ أكثر من سنتين لم أدع طبيباً في بغداد إلّا وعرضت عليه زوجتي التي تعاني ورماً في المعدة، وآخر ما حصلت عليه من نتيجة قولهم إن مرضها قد استفحل، ولم يعد أي علاج نافع لها، ما يضطرني لنقلها إلى الخارج ومعالجتها هناك»، مضيفاً: «ذهبنا إلى لبنان وعندما راجعت المستشفى هناك استغرب أطباؤه من رأي أطباء بغداد، وخلال ثلاثة أيام تمّ إجراء عملية لرفع الورم وهي الآن بأحسن حال، وتمارس حياتها بشكل طبيعي في حين عجزنا في العراق عن توفير أبسط حالات العلاج».
ويردف رياض: «نعم لقد أنفقت مبالغ أكثر مما أنفقته في بغداد، لكني ضمنت شفاء زوجتي، وهو أمر يجده الجميع ويعرفه كل المواطنين، كونهم لم يحصلوا على نتائج طبية مقبولة».
عجز أطباء
وفي رواية مريض آخر يطارد العلاج خارج بلاد الرافدين، تشير نورية جاسم من محافظة البصرة إلى أنّها تعاني مرض في العيون وراجعت معظم مستشفيات العيون والأطباء في البصرة وبغداد، بيد أنّهم لم يفعلوا لها شيئاً لما أدخل اليأس في قلبها في الشفاء ما أضطرها التوجّه إلى مستشفيات في الخارج، وجدت فيها كل العناية والعلاج الشافي وعادت تبصر كما كانت قبل المرض على حد قولها.
قلة كفاءة
أما أحمد كريم مهدي من محافظة ذي قار فيرى أنّ أجهزة عديدة وحديثة دخلت مستشفيات العراق، بيد أنّ قلة كفاءة الكوادر ودعم تدربّها بالشكل الكافي على استخدام الأجهزة بشكل صحيح يقف عائقاً أمام الاستفادة منها في علاج المرضى، لافتاً إلى أنّ الدولة لم ترسل العاملين في الحقل الطبي إلى الشركات المجهزة للتدريب على تلك الأجهزة، لاسيّما أجهزة القلب وطب العيون وأجهزة الكشف المبكر عن الأمراض، ما يؤثر على المواطن ما يدفعه للسفر إلى الخارج. ويعتبر عدد كبير من المواطنين العراقيين الذين يراجعون المستشفيات في الخارج، أنّ الدولة لم تولِ أهمية للمواطن، مستدلين على ذلك بالكم الهائل من المرضى الباحثين عن العلاج خارج العراق.

تساؤلات بلا إجابة

يرى مختصون أنّ السؤال الذي يلح على الإجابة يتمثّل في: إلى متى يظل أبناء العراق يجوبون الآفاق بحثاً عن العلاج، فضلاً عن تساؤلات أخرى لا تقل إلحاحاً تتساءل عن متى تضطلع الدولة بمهامها الحقيقية لتنقذ أبناءها من الوقوف أمام أبواب السفارات، والسفر المتواصل بحثاً عن العلاج. كما يطرح البعض تساؤلات حول هل تعرف الدولة أنّ بعض المرضى يبيعون بيوتهم ومقتنياتهم لتوفير مبالغ السفر والعلاج في الخارج؟.